يوميّات وخواطر

في عيادة التوليد

دخلت لأول مرة في حياتي عيادة التوليد في المستشفى الجامع لمدينتنا الذي ترتبط به كلّيتنا، وكانت فرصة لأرى عملية الولادة التي لطالما حُكِيَ لنا عن صعوبتها وكيف أن الأم تحتمل فيها ما لا يتحمله عشرات الرجال من الآلام، وما كان من سمع كمن رأى، ورغم أن مسماي الوظيفي طبيب، إلا أنه بدا كأني نسيت الطبابة والمعطف الأبيض وسماعتي واستعرت روح الإنسان العامي (بل رُبَما الطفل) التي في داخلي لأجِدَني أرتجف وتُحبسَ أنفاسي من التوتر إذ كانت الأم الحامل تصرخ وتولول من الألم وكأن ريب المنون آتيها الساعة لا محالة، حتى إذا حانت ساعة الولادة وزاد الألم وتضاعف تذكرت قول عبدالله بن عمر -رضي الله عنه :  (ما جزيتها ولا بطلقة من طلقاتها!) أو بنحو ما قال، زاد الألم وطأته على الأم حتى إذا خرجت مولودتها وضعتها الطبيبة على بطنها فاستحال الألم ابتسامة ونشوة وفرحة! 

ما أعظم تلك الرحمة التي وضعها الله -جل شأنه وتقدست أسماؤه- في قلب الأم لدرجة أنها لا تبالي إن جعلت حياتها فداء لذلك الذي تغذى على حياتها وصحتها وشبابها ولحمها وعظامها! وأَعْظِم بحقها إذ قال في كتابه : ﴿فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا﴾ [الإسراء: ٢٣]، وما أجحد من رفع صوته عليها وعقها وهجرها!

الولادة تشبه إلى حد كبير حياة الإنسان المليئة بالابتلاءات، إذ يبدأ البلاء صغيرا ثم يكبر ويعظم ويشتد حتى إذا استيأس المرء وبلغه من الحزن والألم ما الله به عليم جاءه الفرج -الذي لعله كان يكمن في البلاء نفسه- فجأة فنسي حزنه وألمه كأن لم يكن بالأمس، بل -ويا أسفى- ينسى المنعم المتفضل عليه، الذي لم يخذله حتى عندما أراد خذلان نفسه، الذي هو أرحم به من أبيه وأمه، الذي لم يقدر له إلا خيرا ولم يأتِ منه إلا كل الخير!

جزى الله أمهاتِنا عنا خيرا، وجعل الجنة مثواهم بما صبرنَ وتحملن، وصب الخير صبا على من كانت منهن في دار الفناء، ورحم من انتقلت منهن إلى دار البقاء، وأفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا إنه قريب مجيب..

بقلم| محمد البديوي

طالب طب بجامعة Ankara Yıldırım Beyazıt، تركيّا

أضف تعليق